لم تكن تلك الليالي الطويلة الماضية بغير معنى، فقد كتب القدر موعد تفتحك أخيرا ليهنأ قلبي في أيامه الباقية..
20-11-2009
طغــياني
..منذ عهد آدم
..كانت المرأة أسيرة شعور طاغٍ
قصتها كُتبتْ على رقعة الزمان
حملتْ ذنب الغواية
..وكابر القلم
..وتضخّمتْ الحروف
..هكذا
..تمنيتُ العودة لزمن الغواية
.. سأقبل بهول الذنب.. ونير العقاب
إذا كان ذلك سيأسرني بين ضلع قربك وطغياني الرهيف
..مـُذْ جُعلتْ في الأرض خليفة
..خُطّتْ على الأرض تعاريج الخطايا
ورسمتْ حواء على التراب دوائر لونتـْها بلون النور الأبيض
..وقالت لآدم: "هنا شمسي"
فقال لها: صدقتِ
..لولم يخلقِ اللهُ الشمس.. لكانت هذه شمسنا
..يومها قلتُ لك
..!!ما ضرَّ لو عشنا معا.. يلفّنا ليل سرمديّ
..!!ما ضرَّ لو خفت الضياء في الأرض
..فلتكن كوكبي الدري.. ولأستغن عن الشمس
..حين خلق الله الجنة والنار
..خلق لهما أهلهما
وحين خـُلقَ قلبي الصغير
ما تمنيتُ أن يصطلي في فردوسه أحد
..إلا حين خفق بك
..عندئذِ
..عرفتُ كيف تمورُ جهنّم
أخاف الوحدة بدونكِ
وترتعد وريقات عمري الموشك على الفناء حين أتذكر بعدكِ القصي
لا أذكر أنني خفت من الحمى ولا من ألوان الحاجة، ولا أعلم في نفسي رهبة صنعها الزمان ولا خوف الوحدة ولا الخوف من الخوف نفسه..
لكنني طالما خفت من ذلك المخلوق المجهول المسمى.. "الحب"..!!..
كان الخيال الصغير في أعماقي يحذرني من تلك الرهبة الصاخبة في أعماق غريمي المخيف..
رهبة ملأت نفسي وفاضت بها كأس الحيرة البريئة في ذاتي حتى همّت بتذوقها.. فالرشفة الواحدة لا تُسكر..
وكما أن النفس ينازعها نصلُ الحذر روحَها.. نازعتني نفسي نفسَها..
فتعثرت.. وأطرقت مليّا ..
وظننت أن الرشفة إن لم تسكر فربما أفسدت على مذاقي طعوم أقداح حياتي القصيرة الباقية..
ولم أتذوق من أقداحي الكثير، حتى قدّر لي أن ألقى كلماته بين الكلمات..
فمدت الحروف أعناقها كأنما تطاول بكبرياء جرأتها عثرات خجلي الصغير..
وكنت لا أرتشف من الكلمات أكثر من حروف معناها..
فلما قرأته.. ارتشفتني حروفه فبقيت بلا معنى..
وكنت لا أخاف الوحدة.. ولم أعرف وحشتها غابر عمري..
فلما أنست بألفة حديثه ما عاد شيء يخيفني سواها..
تعلّمت أن العجب شكل من الطبيعة في غير شكلها..
فسألت نفسي يومذاك هل الإعجاب صنع أبدع صناعة من العجب؟
وحيث أن إعجاب المرأة برجل من الرجال صناعة أبدعتها الطبيعة، فليس لقلبها مفتاح سوى طبيعتها المخلوقة لتبدع منها خلقا جديدا يشب ويهرم..
ويموت حين يموت في طبيعة لم يخلقها الله..
لم أتعلق يوما بخرافات التنجيم..
ولم أفضل بين الأرقام عددا يفضل في رنّة معناه على عدد.. لكنني حين تعلقت بالرقم "2".. عرفت أنني وقعت في الحب..!!..
رسالة إلى أختي أمينة أحمد خشفة بنت حلب الشهباء
أخيتي الأمينة بنت الشهباء
جعل الله لها من الأمانة جوهرها، ومن الصدق أظهره، ومن الرفعة أجل منازلها
ما رغبت في تسطير كلمات تجول بها نفسي، وتعتصر من هواها عصيانا لهواها
إلا أحببت الكتابة إلى فكرك الزاهي، علّني أجد عندك بعض ما تهدأ به النفس من لأوائها الثائرة
أخيتي.. ما علمتني قبل اليوم طالبة لاستلانة قلبي كما اليوم
ولا جمح لخاطري عزم على إحراق ما يجد كما يجمح به الساعة
فلقد تمر بالمرء هنيهات، يتمنى فيها أنه لم يولد إلا عابدا ذاكرا دامعا.
ولو أنني تمنيت ذلك فأصبته، لما فتئ الوسواس بالهوى يعصف بأركان نفسي
حتى ليقال لم تعرف الخشية
فالقلب حين يسمع الذكر يخشع، ثم لا تسنح له ساعة غفلة منه حتى يصلد كالصوان أو أشد
وما علمت في حياتي لينا لقلب المرء أروى من صحبة تطلب له الخير، وتبرد عنه حمى الدنيا
فلا أراك أخيتي إلا وهجا من ذلك الوهج، وبلغة من زاد الأخوة
أسأل الله أن يجمعني وإياك في فردوسه الأعلى
ما منا من أحد إلا وفيه من حظ نفسه شيء يكابده، وقد طاب لي أن أكابد من حظ نفسي في هذه السطور بقدر ما ترضى عنه نفسي.. أو لعلها ترضى..
فقد خيّل إليّ ذات ليلة أنني قد أفلست.. وصعب على احتمالي ما أجد.. فقد كنت أمسك القلم فأجد النبع.. أعب منه ما شاء الله لي.. وما كنت أدري أنه ذات رمضاء سينضب..
وإفلاس القلم شر على المرء من إفلاس القلب.. فإن للقلب أرصدة في الدنيا والأخرى.. وللقلم رصيد من النفس إن شحّ اختلاجها.. حفرت رمس القلم بأظافر حثالة الناس..
وازداد يقين خيالي حين امتدحني قاريء فج، وقال: " ما أروع ما سطرتِ من إفلاس"..
وتجمّعت في رأسي يومئذ فكرة طائشة، كان أمثال هذا الفج قد بعثرها في وريقاتي الخائبة.. فطفقت أخصف من ورق المديح.. أواري سوأة فشل قلمي المستعرب..
أظنني نسيت بعدها أنني أفلست..